U3F1ZWV6ZTI0ODAwMzk0Mzg3MTM5X0ZyZWUxNTY0NjIzMzI5MDc3Ng==

الحاجب المنصور ( من قاع الفقر إلى أقوى حكام العالم ) وكيف فرحة أوروبا كلها بموته ؟



الحاجب المنصور ( محمد بن ابي عامر )


الحاجب المنصور ( من قاع الفقر إلى أقوى حكام العالم ) وكيف فرحة أوروبا كلها بموته ؟



جاء ( الفونسو ) الى قبره ونصب على قبره خيمة كبيره وفيها سريره، وامرأته متكئة إلى جانبه يملائهم نشوة موت قائد الجيوش الإسلامية في الأندلس وهو تحت التراب .


وقال الفونسو : ( أما تروني اليوم قد ملكت بلاد المسلمين والعرب وجلست على قبر اكبر قادتهم ) فقال احد الموجودين :


(والله لو تنفس صاحب هذا القبر لما ترك فينا واحد على قيد الحياة ولا استقر بنا قرار ) فغضب الفونسو وقام يسحب سيفه على المتحدث حتى مسكت زوجته ذراعه وقالت:


صدق  المتحدث أيفخر مثلنا بالنوم فوق قبره !! والله إن هذا يزيده شرفًا حتى بموته لا نستطيع هزيمته



الحاجب المنصور ( محمد بن ابي عامر )


من هو الحاجب المنصور ( محمد بن أبي عامر )  ؟


من ( الجزيرة الخضراء ) جنوب إسبانيا  يحمل أمتعة الناس بأجره على دابة من الأسواق إلى بيوتهم ، إلى نجماً يحكم دوله واسعة بطموحه وهمته.


لم يجلس به فقره عن طلب المعالي ولا منعته قلة ذات يده عن الطموح حتى إلى أعلى المناصب رجل جاء من بين الطبقة المنسية الكادحة ليعلو سدة الحكم ويصبح حاكم الأندلس .


رجل أصبح بقصته دليلاً من أدلة التاريخ على أنه لاشيء يقف أمام الإرادة والعزيمة،... رجل لم يصنعه نسبه ولا غناه، ولا رفعته عشيرته ولا قومه، بل صنع مجده بيده وعقله وأصبح رجل الأندلس الأول بحنكته وذكائه وجده لقد تسلم مقاليد الحكم والدولة مشرفة على فتنة عظيمة، فاستطاع بقوته وذكائه وحزمه أن ينتشلها من نيران الفتنة ويعيد لها هيبتها وعزها.


 * إنه محمد بن عبدالله بن عامر بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري ، وكان جدُّه من العرب الفاتحين الذين دخلوا الأندلس مع طارق بن زياد، فنزل بالجزيرة الخضراء في جنوب الأندلس واستقرَّ بها، وكان والده من أهل الدين والعفاف والزهد في الدنيا والقعود عن السلطان.



كيف نشأ ؟ وكيفية وصوله إلى أعلى مراتب الدولة ؟


نشأ (محمد بن أبي عامر ) نشأه حسنة، وظهرت عليه النجابة منذ نعومة أظافره؛ فتعلَّم الحديث والأدب ثم سافر إلى قُرْطُبة ليُكمل تعليمه، وكان ذا طموح كبير وهمة عالية وذكاء وقَّاد، وعمل كاتباً للقاضي محمد بن إسحاق بن السليم، الذي رأى نبوغه ماجعله يوصي به عند الحاجب ( جعفر بن عثمان المصحفي) فيذكره المصحفي عند الخليفة ( الحكم المستنصر) فيعجب الحكم المستنصر بأخلاق محمد بن أبي عامر،وذكائه ونباهته وحُسن تصرُّفه .


فطلب الحكم من إبن أبى عامر أن يكون وكيلاً لأبنه (هشاماً ) فتولَّى وكالته سنه (359) هجرية ، ولم يلبث أن تدرَّج في المناصب العليا ، فعُيَّن أميناً لدار السكة ، وكُلَّفَ بالنظر على الخزانة العامة وخُطة المواريث ، ثم أصبح قاضياً لإشْبِيلِيَة ولبلة ثم مديراً للشرطة،ثم ولاَّه الأمانات بالعدوة، فاستصلحها واستمال أهلها،ثم عينه الحكم قاضي القضاة في بلاد الشمال الإفريقي ، وأمر عماله وقوَّاده هناك ألا يقطعوا أمراً إلاَّ بمشورته .


ومن المدهش أن (محمد بن أبي عامر)لم يتولَّ عملاً إلاَّ وأداره ببراعة وكفاءة فاقت براعة سالفيه، رغم أنه دونهم في السَّن والخبرة، وأنه كانت تزيد عليه المناصب والتكاليف فيستطيع أن يجمع بينها بتفنن ودقة عاليه، ومما ساعده أيضاً أن يصل إلى هذه المراتب العالية بهذه السرعة- أنه استطاع استمالة"صبح البشكنسية" أم "هشام المؤيد" بحُسن خدمته لها ولابنها .


بعد وفاة الحكم المستنصر، وقع بالأندلس حادث خطير؛ إذ أن نصارى الشمال علموا بوفاة الحكم المستنصر.


ووجدوا أن هذه فرصه لنقض كلَّ ماكان بينهم وبينه من عهود ومواثيق، وشرعوا يُهاجمون الثغور الإسلامية هجمات عنيفة، بغرض، الثأر من المسلمين وإضعافهم، بل وتخطّوها حتى كادت حملاتهم تصل إلى قُرْطُبة عاصمة الخلافة الإسلامية في الأندلس.


وكان ضعف الخليفة الصغير قد انسحب على رجال الدولة جميعاً، فلم يُقدم أحد على كفاح النصارى وردَّهم ( فغالب الناصري ) في مدينة سالم إحدى الثغور والمصحفي متردد خائر الرأي،ليس له عزيمة، ولا يدري ماذا يفعل ، وهو يجبن عن الخروج لملاقاة العدوَّ.


وهنا..نهض محمد بن أبي عامر، الذي أَنِف من تصرُّف المصحفي، وكأن البلاد قد خلت من الرجال فلا يجدون رجلاً يقود الجيوش، فعرض محمد بن أبى عامر على الحاجب جعفر المصحفي أن يقوم بتجهيز الجيش للجهاد في سبيل الله، فلم يجد المصحفي رجلاً يقود الجيش ،ولا يستطيع هو بنفسه قيادة الجيش ؛فليست له خبرة بالجهاد من قبل، فبادر لهذه القيادة ( ابن أبى عامر ) ، واستعدَّ وقاد الجند ، وأخذ ما يحتاجوه من مال، وسار في رجب سنة (366هجريه)  إلى الشمال، وهرب من أمامه جيش النصارى ، ثم استطاع الإستيلاء على (حصن الحامة وربطه)


وعاد إلى قُرْطُبة محملاً بالسبي والغنائم ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً وزاد حبُّهم وتقدرهم له؛إذ إستطاع بشجاعته وإقدامه رفع الذلَّ والعار عنهم، وكذلك أحبه الجنود الذين كانوا معه؛ لِمَا رأوا من كثرة جوده، وكرم عشرته، وشجاعته في الحروب، فأحبوه والتفُّوا حوله وزاد هو إحساناً إليهم.



الحاجب المنصور ( محمد بن ابي عامر )


كيف وصل الحاجب المنصور (محمد بن ابي عامر ) الي حكم الاندلس ؟


واستطاع ( إبن أبى عامر ) بعد ذلك التخلص من المصحفي بسجنه، والتخلص من غالب بقتله بعد أن علم أن غالب كان يخطط 

هو لقتله أولاً

استقرَّ الأمر لمحمد بن أبي عامر؛ فلقد أضحى الحاكم الفعلي لبلاد الأندلس ، فهو الحاجب القوي، الذي يسوس البلاد والعباد ويغزو صيفاً وشتاءً فينتصر في كل معاركه مع النصارى ، بينما الخليفة هشاماً كان صغيراً،لا يدري من حال مملكته شيئاً.


وقبض الحاجب المنصور بن أبي عامر على أَزِمّة السلطان في الدولة، وصار إليه الأمر والنهي والتولية والعزل، وإخراج الجيوش للجهاد، وتوقيع المصالحات والمعاهدات، حتى عُرِفَ ذلك العهد ( عهد الدولة العامرية ) .


والدولة العامرية هي ذروة تاريخ الأندلس، وأقوى فتراتها على الإطلاق، ففيه بلغت الدولة الإسلامية الغاية في القوَّة، فيما بلغت الممالك النصرانية أمامها الغاية من الضعف، وقد بدأت فترة هذه الدولة فعليَّاً منذ سنة 366 هجرية الموافق 976 ميلادية) 


منذ أن تولى محمد بن أبى عامر أمر الوصاية على هشام بن الحكم، وظَلَّت حتى سنة(399 هجرية الموافق 1009 ميلادية) ، أي إستمرَّت ثلاثاً وثلاثين سنه متصلة ، وتُعَدُّ الدولة العامرية مندرجة في فترة الخلافة الأموية لأن الخليفة مازال قائماً، وإن كان مجَّرد صورة.


ولقد إستكثر إبن أبي عامر وإستقوى بالبربر المغاربة عُدَّته ورجاله ، وضمهم إليه وهم بني برزال، وزعيمهم جعفر بن حمدون- وجعلهم يتخلون عن تحالفهم مع (الفاطميين)، ينحازون بالولاء إلى قُرْطُبة عاصمة الأمويين ، وكان نتاج هذا أن فقد (الفاطميين)، المغرب الذي خلص بعد ذلك للأمويين.



كيف كان جهاده وحكمه ؟


 أنشأ مدينة مملوكية جديدة في شرق قُرْطُبة سماها مدينة الزاهرة أو مدينة العامرية، نقل إليها الوزارات ودواوين الحُكم، وأنشأ له قصراً كبيراً هناك،حتى أصبحت مدينة الزاهرة هي المدينة الأساسية ربها قصر الحُكم وكان هدفه من هذا :



  •  الإبتعاد عن مناطق الخطر والمؤامرات حيث مواطن الأمويين وحيث قصر الخليفة وأمه.
  • ترسيخ وتثبيت شأنه في الدولة، وخطوة للإنفراد بشئون الدلة وإدارتها، وليختفي تماما ذكر الخليفة هشام الذى ظل حبيساً في قصره الفاخر لا يتولَّى من أمر الملك شيئاً.
    الحاجب المنصور ( محمد بن ابي عامر )
    قنطرة قرطبة


غزا محمد بن أبي عامر في حياتة أربعاً وخمسين غزوة، لم تهزم له راية قط،وقد وطئت قدماه مالم تطأه قدم مسلم قبله، فوصل إلى( مملكة ليون) لم يصل إليها أحدٌ من قبلُ، بل لم يصل إليها حتى (موسى بن نصير، وطارق بن زياد)، فقد وصل الحاجب المنصور إلى (منطقة الصخرة)؛ تلك المنطقة التي لم تُفتح من قِبَل المسلمين من قبلُ، واستطاع رحمه الله أن يغزو النصارى في عقر دارهم، ووصل إلى (خليج بسكاي والمحيط الأطلسي في الشمال، وفي كل الغزوات لم تنكسر له فيها راية، ولا فلَّ له جيش، ولا أُصيب له بعث، ولا هلكت سرية وكانت له في كل عام غزوتين عرفت بإسم (الصوائف والشواتي).


وكان من أعظم هذه الغزوات قاطبة غزوة شانت ياقب أو سانت يعقوب) وهي غزوة الثامنة والأربعون، ثم وصل إلى المدينة، بعد فتح كل الحصون والبلاد التي في طريقه، وغنم منها وسبى، ثم وصل إلى مدينة شانت ياقب ولم يجد بها أحد، فأمر بتخريب حصون هذه المدينة وأسوارها وقلاعها، وأمر بعدم المساس بقبر القديس يعقوب،ثم تعمق حتى وصل إلى ساحل المحيط دون أن يقف أمامه شيء، وعاد إلى الأندلس يبشرهم بالفتح.


ومن عجائبه أنه سَيَّر جيشاً كاملاً لإنقاذ ثلاث من نساء المسلمين كن أسيرات لدى مملكة نافار؛التى كانت بينه وبينهم هدنه ، فذهب إلى الكنيسة وأخرج النسوة الثلاث ، وإعتذر منه ملك نافار أنه لم يعلم عند وجودهم وعاد الحاجب المنصور ومعه النسوه.


إهتم محمد بن أبي عامر بالجانب المادي والحضاري في البلاد؛ وزاد كثيراً في مساحة (مسجد قُرْطُبة ) حتى أصبح أصبح ولفترة طويلة من الزمان أكبر من أى مسجد في العالم ، وهو مايزال موجودا  في إسبانيا ، ولكنه حُول إلى كنيسة بعد سقوط الأندلس ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله


وكان من عجائبه أنه يجمع ماعلق على ثيابه من غبار الغزوات ووضعه في قارورة ، وقد أمر أن تدفن معه في قبره لعلها تشفع له يوم القيامة، فكان عظيم الرجاء لله سبحانه تعالى أن يتقبل أعماله و غزواته وجهاده.

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

"من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار" (رواه البخاري ) 


و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبداً" (رواه النسائي)



الحاجب المنصور ( محمد بن ابي عامر )
ثغر مدينة سالم


كيف كانت وفاته رحمه الله ؟


خرج وهو ابن الستين لغزو الشمال مرة أخرى ووصل إلى مدينة سالم ليعد العدة لعزوة أخرى، فجاءه الموت وكان يدعوا ربه راجياً أن يأتيه الموت وهو يجاهد في سبيل الله فمات رحمه الله بعد جهاد يقرب من ثلاثين عاماً، وبعد سبعة و خمسين غزوة،لم يهزم في واحدة منها قط ، ولم يتوقف عن البذل والعطاء، ورفع شأن الأندلس إلى مكانه لم تبلغها في عصر من العصور لا قبله ولا بعده، وذهب المنصور إلى لقاء ربه، وسيبقى اسمه خالداً مع أسماء الإبطال في تاريخ المسلمين، مات وجسده مليئ بجروح المعارك لتشهد له أيضاً عند الله ، ووافته المنية في 27 رمضان 392 هـ مجاهدا في سبيل الله 



وقد كتب على قبره:


آثاره تنبيك عن أخباره              حتى كأنك بالعيان تراه


تالله لا يأتي الزمان بمثله           أبداً ولا يحمي الثغور سواه



المراجع والمصادر:


كتاب (دولة الإسلام في الأندلس)  محمد عبد الله عنان .


كتاب (التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة)  للدكتور: عبد الرحمن علي الحجي .


كتاب(قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط) للدكتور:راغب السرجاني .


كتاب (تاريخ الأندلس المصور) للدكتور: طارق السويدان .


كتاب(نفح الطيب)  للمقري .




لمعرفة المزيد


تعليقات
6 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة