U3F1ZWV6ZTI0ODAwMzk0Mzg3MTM5X0ZyZWUxNTY0NjIzMzI5MDc3Ng==

صلاح الدين الأيوبي المجاهد العظيم

تمثال صلاح الدين الأيوبي في دمشق



ذكرى وفاة صلاح الدين الأيوبي (نبذة مختصرة عن حياته )

بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله فأننا نتحدث اليوم عن قائد عظيم  قل ما يأتي بمثله الزمن  وهو السلطان أبو المظفر الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي بن مروان  سلطان مصر ومؤسس الدولة الأيوبية  وهذه نبذه مختصره عن حياته

أولا : بطاقة تعريفية عن السلطان صلاح الدين الأيوبي 

  •  الاســــــــــــــم  : أبو المظفر الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي بن مروان الكردي من عشيرة الرواديه 
  • عام الميـــلاد    :   532 هجري موافق 1137 ميلادي
  • عام الوفــــاه    :   589 هجري  موافق 1193 ميلادي
  • مكان الميلاد     : دوين  آخر حدود أذربيجان بالقرب من مدينة تفليس في أرمينية 
  • توفي عن عمر  :      56 سنه 
  • مدة الحكـــــم    :      19 سنه      
  • العـــــــــــمل     :   سلطان ومؤسس الدولة الأيوبية في مصر وما حولها
  • الدول التي كانت تحت حكمه بقياس عصرنا   :  مصر - ليبيا - السودان - اليمن - السعودية - فلسطين -الاردن - لبنان - سوريا - العراق - أجزاء من تركيا 
  • الـــوالـــد       :   الامير نجم الدين ايوب بن شادي قائد قلعة تكريت  واحد اهم وزراء عماد الدين زنكي وولده السلطان نور الدين محمود  
  •  الزوجـــــــــه  : عصمت الدين خاتون بنت معين الدين أنر 
  • أولاده           :   
  1. الملك الأفضل نور الدين علي ولي العهد (صاحب دمشق) (مولده 566 هـ ووفاته 622) ·
  2. الملك العزيز عماد الدين عثمان صاحب مصر (مولده 567 ووفاته 595) ·
  3. الملك الظافر مظفر الدين خضر صاحب بصرى وشقيق الملك الأفضل، (مولده 568هـ ووفاته 627) ·
  4. الملك الظاهر أبو المنصور غياث الدين غازي  صاحب حلب، وأجلّ أخوته (مولده 568هـ ووفاته 613) ·
  5. الملك المعز فتح الدين إسحق ·
  6. الملك المؤيد نجم الدين مسعود، أبو الفتح، صاحب رأس العين تولاها وغيرها في حياة أبيه. ·
  7. الملك الأعز شرف الدين يعقوب (من رجال الحديث) (مولده 572 هـ ووفاته 627) ·
  8. الملك الأشرف عز الدين محمد ·
  9. الملك المفضل قطب الدين موسى (من رجال الحديث) (مولده ؟ ووفاته 631 هـ). ·
  10. الملك الغالب نصير الدين ملكشاه أبو الفتح ·
  11. الملك الجواد ركن الدين أيوب ·
  12. الملك الزاهر مجير الدين داود أبو سليمان صاحب قلعة البيرة وهو شقيق غازي (مولده 573هـ ووفاته 632) ·
  13. الملك المُحْسن ظهير الدين أحمد (من رجال الحديث) (مولده 577هـ ووفاته 634 هـ) ·
  14. الملك المعظم فخر الدين توران شاه (من رجال الحديث) (مولده 577هـ ووفاته 658 وهو آخرهم وفاة) ·
  15. نصرة الدين مروان ·
  16. عماد الدين شادي ·
  17. الملك المنصور أبو بكر.

ثانيا : صلاح الدين الأيوبي نسبه ومولده

     - ينتمي صلاح الدين الى عائلة كردية كريمة الأصل عظيمة الشرف وتنتسب هذه العائلة الى قبيلة كردية تعد من اشراف الاكراد نسب وعشيره وهذه العشيرة تعرف بالرواديه وهي تنحدر من بلدة دوين الواقعة عند آخر حدود أذربيجان بالقرب من مدينة تفليس في أرمينيا وينتسب الأيوبيين إلى أيوب بن شادي ويعتبرهم ابن الاثير من أشراف الاكراد لانهم لم يجر على أحد منهم رق ابدا كما ان والد صلاح الدين نجم الدين أيوب وعمه أسد الدين شيركوه عندما قدما إلى العراق والشام لم يكونا من الرعاة وانما كانا على درجه عاليه من الخبره في الشئون السياسية والإدارية

ثالثا : صلاح الدين الأيوبي نشأته 

     - صلاح الدين الأيوبي نشأته كانت نشأة دينية جهادية أخلاقية خالصة وهذا ليس من فراغ  فقد ترعرع بين ابوه نجم الدين وعمه أسد الدين شيركوه تربي تربيه جعلته مؤهلا لتولي المناصب القيادية وذلك لأنه ترعرع في كنف ابيه فأخذ عنه براعته في السياسة واكتسب من عمه أسد الدين شيركوه شجاعته في الحروب  فنشأ متشبع بالدهاء السياسي والروح الحربية وإلى جانب ذلك تعلم علوم عصره وحفظ القرآن ودرس الفقه والحديث وتتلمذ على يد كبار العلماء في الشام والجزيرة مثل قطب الدين النيسابوري وقد تأثر صلاح الدين بالسلطان نور الدين محمود الذي قدم نموذج رائع للاخلاص والتفاني والشعور بالمسؤولية فكان مثله الأعلى وكان مقرب منه جدا حتى اصبح من ابرز قواده بعد ذلك 

رابعا : صلاح الدين الأيوبي في مصر وإسقاط الخلافة الفاطمية  وقيام الدولة الأيوبية

       - كان لقيام دولة صلاح الدين الأيوبي في مصر قصة كبيرة حتى أصبح في حكم الدولة الأيوبية بعد أن ظلت في في حكم الدولة الفاطمية العبيدية الباطنية اكثر من مئتين وثمانين عاما فإن الظروف والأقدار التي شاء الله لها ان تحدث في مصر من تدهور وفوضي وذلك باجتهاد المسلمين في الشام والتحام الصف هناك على التوحيد ونصر الدين فهكذا يكون نصر الله ان ييسر لكن الصعاب  فقد دار صراع في مصر على الحكم بين الوزراء والخلفاء وبين الوزراء أنفسهم  مما تسبب في ضياع الدولة ونهب ثرواتها  وطمع الصليبيين في الاستحواذ عليها  وقد حانت الفرصة لنور الدين محمود بن زنكي عندما قدم الوزير الفاطمي العبيدي شاور بن مجير طالبا النجدة منه لمساعدة للرجوع إلى وزارته بعد أن اغتصبها منه الوزير ضرغام  .
فوجه نور الدين حملات متوالية إلى مصر في الفترة من ( 559 هـ إلى 564 هـ )
  1. الحملة الأولى 559 هـ
  2. الحملة الثانية 562 هـ 
  3. الحملة الثالثة 564 هـ
وكان ذلك لوجود حملات صليبية على مصر كانت تريد الاستحواذ عليها بعد الفوضى واستعانة الوزير ضرغام بهم 
وكل هذه الحملات كان فيها صلاح الدين مع عمه أسد الدين شيركوه  مساعد له وقائد في الجيش فتعلم الكثير والكثير ، وفي الحملة الثالثة استقر أسد الدين شيركوه في مصر بطلب من الخليفة الفاطمي العاضد وتولي أسد الدين الوزارة في مصر ثم لم يلبث الا قليل شهرين وخمسة أيام حتى توفي في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة 564 هـ وتولى بعده الوزارة صلاح الدين 

صلاح الدين وإلغاء الخلافة الفاطمية العبيدية 

- عندما تولى صلاح الدين الوزارة عمل جاهدا على المهمة الكبرى وهي إلغاء الخلافة الفاطمية العبيدية وقد مهد لذلك  عن طريق بعض الإجراءات  وهي كما يالي :-
  1.  عزل القضاة الشيعة 
  2. الغاء مجالس الدعوة الشيعية 
  3. إزالة اصول المذهب الشيعي 
  4. أبطل الأذان بحي على خير العمل محمد وعلي خير البشر
  5. أمر بذكر الخلفاء الراشدين في خطبة الجمعة 
  6. أمر بأن يذكر العاضد في الخطبة بكلام يحتمل التلبيس على الشيعة كقول (اللهم اصلح العاضد لدينك )
  7. إنشاء المدارس السنية تدريس المذاهب الفقهية السنية
  8. تضيق الخناق على العاضد وحرمانه من المال والخيل ومنع رسوم الخلافة 
  9. عدم السماح له بمغادرة القصر إلا في المناسبات القليلة
  10. الحد من نفوذ أمراء الجيش الفاطمي ثم قبض عليهم في ليلة واحدة وعين مكانهم من جنوده المخلصين
  11. إلغاء الخطبه في المساجد للفاطميين وكان هذا قد تم تدريجيا فقام في الجمعة الأولى بحذف اسم العاضد من الخطبة وفي الجمعة الثانية خطب باسم الخليفة المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله 
  12. وفاة العاضد وانقضت بموته الدوله العبيديه إلى يومنا هذا 
  13. جعل الأزهر الشريف منارة العلم والعلماء السنين بعد أن كان منارة للتشيع
أصبحت مصر بعد ذلك دولة سنية تتبع الخلافة العباسية في بغداد وتحت حكم الخليفة العباسي ومن بعده السلطان نور الدين محمود زنكي ووزيره صلاح الدين الأيوبي 

استقلال صلاح الدين بحكم مصر وانشاء الدولة الأيوبية 

- استقلال صلاح الدين بحكم مصر وذلك بعد وفاة نور الدين محمود زنكي  وكان لم يخلف الا ولد صغير وهو الصالح إسماعيل ولكنه كان صغير على شئون الحكم والسياسة مما جعل وزراء نور الدين محمود زنكي وأقاربه يطمعون في الحكم والمدن والحصون التي تركها وكاد أن ينفرط عقد الدول في الصراع على التركة مما جعل صلاح الدين يستقل بحكم مصر لانها كان اقوى ولاية واقوي وزير حينذاك بينهم  وكان تحت حكمه حينها ( مصر - ليبيا - السودان - اليمن - الحجاز ) وحتى جمع جيوشه بعد أن ازداد الوضع سوء في دمشق وحلب والموصل والقدس فذهب إليهم وضمها إلى دولته وأصبحت بعد ذلك الدولة الأيوبية بعد أن قضى على الفتنة وأصبحت الشام والعراق تحت سلطانه
















خامسا : صلاح الدين الأيوبي والصليبيين في معركة حطين

 -  كان للحروب الصليبية قصه كبيره حيث انها يوجد لها أوجه كثيرة 
  بدأت فكرة الحملات الصليبية على العالم الإسلامي تلك بعد معركة ملاذكرد عام 463 هجري التي انتصر فيها القائد التركي السلجوقي السلطان ألب أرسلان على الروم البيزنطيين بقيادة أرمانوس حيث أن هذه المعركة كانت بمثابة الضربة القاضية الدولة البيزنطية فما استطاعت بعدها انت تقوم مرة أخرى في وجه العالم الاسلامي كما ان هيبتها بدأت تقل عند العالم 
مما جعل الإمبراطور (ميخائيل السابع) يستنجد بـ البابا (جريجوري السابع)  وهذا يحدث لأول مرة وذلك بسبب الخلاف الأزلي بين الطائفتين الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية  الغربية وقد وافق البابا على هذا العرض لأنه سيتيح له الهيمنة الدينية على الكنيستين الا ان صراعه مع الإمبراطور هنري الرابع ملك ألمانيا قد أجل هذا التحالف حتى خلف بعد ميخائيل السابع الامبراطور (الكسيوس كومنين  alexios komnene ) وبعد برسالة استنجاد الى (البابا أوربان الثاني ) الذي صادف هوى هذه الرسالة حتى يحقق ما عجز عنه سابقه في توحيد الطائفتين تحت راية الكنيسة الرومانية الغربية  الكاثوليكية وقد كان في ذهن الامبراطور (الكسيوس كومنين  alexios komnene ) ان يأتي بمرتزقة إلى المسلمين مقابل اموال وياخد هو الارض الا ان تفكير(البابا أوربان الثاني ) كان هو الاستحواذ على الأرض المقدسة وظل يسعى حثيثا إلى هذا الأمر حتى اجتمع بزعماء النصارى في ( كليرمونت فرنسا ) وألقى فيهم خطبته الشهيرة التي أثرت في جموع النصارى وكانت هي نواة بداية الحملات الصليبية على العالم الإسلامي ، ثم توالت الحملات الصليبية على العالم الإسلامي وكان ذلك في عام 488 هـ  -1095 م  اولى الحملات الصليبية على الشام  قد استطاعت أن تؤسس امارات صليبية دامت أكثر من قرنين من الزمن وهي كما يلي :-

 الأولى : إمارة الرها في أعالي الفرات

 الثانية : امارة أنطاكية في أعالي الشام 

الثالثه : إمارة طرابلس  على الساحل الشامي

الرابعة : إمارة القدس في قلب فلسطين

وذلك اضافة الى اربع بارونيات كبرى وهي ( صيدا ويافا وعسقلان والجليل )
واثني عشر إقطاعا كبيرا وهم (أرسوف - حبرون - الداروم - قيصريه  - ونابلس - وبيسان - حيفا -تبنين -بانياس - كيفا - اللد - بيروت ) 

وقد فعلوا في المسلمين الأفاعيل والمذابح حتى وصل الدم للركب كما وصف أحدهم في رسالته يبشر البابا أوربان 
وظلوا على هذا زمنا كبيرا لضعف وهوان المسلمين في الدفاع عن أراضيهم وديارهم ودينهم حتى ظهرت بوادر الخير علي بعض القاده مودود بن التونتكين وعماد الدين زنكي ونور الدين محمود حتي وصل الامر الى صلاح الدين الأيوبي 

معركة حطين

صلاح الدين بعد معركة حطين

  استطاع صلاح الدين ان يلم شمل المسلمين في مصر والعراق والشام  وجعلهم تحت رايه واحده  ( راية اهل السنة والجماعة ) فضل تقواه وإخلاصه واجتهاده وذكائه واصبح قادر للتفرغ لمحاربة الصليبيين الذين طال مكوثهم في بلاد المسلمين بعد ان عاثوا الفساد وانتهكوا الحرمات وكان قد عقد صلاح الدين معهم بعض المعاهدات ليأمن جانبهم حتى يتفرغ لتوحيد المسلمين حتى أتت الفرصة لصلاح الدين عندما نقض هذا العهد الأمير الأهوج رينولد شاتيون ( ارناط ) صاحب الكرك والشوبك وهجم على قوافل حجاج المسلمين وقتل وسلب منهم  حتى استشاط منه صلاح الدين غضبا لما فعله وحلف بالله إن ظفر به ليقتله وبداء يخطط الي معركة فاصلة
    في السبت 24 ربيع الآخر 583هـ كان هو اليوم الفاصل في تاريخ الصليبيين وصلاح الدين  حيث استطاع صلاح الدين استدرجهم الي حطين وحاصرهم من كل مكان  وقطع عنهم الإمدادات والماء وكانوا في فصل الصيف  وكان حولهم اعشاب جافه فأحرقها عليهم  فجتمع عليهم حر الشمس وحر الدخان والنار والعطش فلم يستطيعوا الصمود امام جيش صلاح الدين حتي قتل فيهم مقتلة عظيمة وأسر اسر عظيم  حتي كان في الأسر ملك القدس جاي لوزينان والبرنس أرناط وهنفري بن هنفيري صاحب تبنين ومقدم الداوية وكبار الاسبتارية  فكانت هذه المعركة كسر الظهر للصليبيين ولم تقم لهم قائمة بعد هذه المعركة في المشرق وكان من نتائجها فتح بيت المقدس 

سادسا : صلاح الدين وفتح بيت المقدس

فتح بيت المقدس

    - قال ابن شداد لما تسلم صلاح الدين عسقلان والأماكن المحيطة بالقدس شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في الساحل فسار نحوه معتمدا على الله تعالى مفوضا أمره إليه منتهزا الفرصة في فتح باب الخير الذي حث على انتهازه بقوله من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يعلم متى يغلق دونه وكان نزوله عليه في يوم الأحد الخامس عشر من رجب سنة 583هـ وكان نزوله بالجانب الغربي وكان معه من كان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة وحزر أهل الخبرة ممن كان معه من كان فيه من المقاتلة فكانوا يزيدون على ستين ألفا خارجا عن النساء والصبيان ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي في يوم الجمعة العشرين من رجب ونصب المناجيق وضايق البلد بالزحف والقتال حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم ولما رأى أعداء الله الصليبيون ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع له عنهم وظهرت لهم إمارات فتح المدينة وظهور المسلمين عليهم وكان قد اشتد روعهم لما جرى على أبطالهم وحماتهم من القتل والأسر وعلى حصونهم من التخريب والهدم وتحققوا أنهم صائرون إلى ما صار أولئك إليه فاستكانوا و أخلدوا إلى طلب الأمان واستقرت الأمور بالمراسلة من الطائفتين وكان تسلمه في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب وليلته كانت ليلة المعراج المنصوص عليها في القرآن الكريم فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب كيف يسر الله تعالى عوده إلى المسلمين في مثل زمان الإسراء بنبيهم وهذه علامة قبول هذه الطاعة من الله تعالى وكان فتحه عظيما شهده من أهل العلم خلق ومن أرباب الخرق والزهد عالم وذلك أن الناس لما بلغهم ما يسره الله تعالى على يده من فتوح الساحل وقصده القدس قصده العلماء من مصر والشام بحيث لم يتخلف أحد منهم وارتفعت الأصوات بالضجيج بالدعاء والتهليل والتكبير وصليت فيه الجمعة يوم فتحه وخطب القاضيمحيي الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي.
وقد كتب عماد الدين الأصبهاني رسالة في فتح القدس،وجمع كتابا سماه الفتح القسي في الفتح القدسي وهو في مجلدين ذكر فيه جميع ما جرى في هذه الواقعة.
 يقول بهاء الدين بن شداد في السيرة الصلاحية نكس الصليب الذي كان على قبة الصخرة وكان شكلا عظيما ونصر الله الإسلام على يده نصرا عزيزا ، وكان الإفرنج قد استولوا على القدس سنة 492هـ ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه منهم صلاح الدين، وكانت قاعدة الصلح أنهم قطعوا على أنفسهم عن كل رجل عشرين دينارا وعن كل امرأة خمسة دنانير صورية وعن كل صغير ذكر أو أنثى دينارا واحدا فمن أحضر قطيعته نجا بنفسه وإلا أخذ أسيرا وأفرج عمن كان بالقدس من أسرى المسلمين وكانوا خلقا عظيما وأقام به يجمع الأموال ويفرقها على الأمراء والرجال ويحبو بها الفقهاء والعلماء والزهاد والوافدين عليه وتقدم بإيصال من قام قطيعته إلى مأمنه وهي مدينة صور ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جبي له شيء وكان يقارب مائتي ألف دينار وعشرين ألفا وكان رحيله عنه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان من سنة 583هـ .

سابعا : وفاة صلاح الدين الأيوبي



قال ابن شداد وصلني كتاب صلاح الدين إلى القدس يستدعيني لخدمته وكان شتاء شديدا ووحلا عظيما فخرجت من القدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة 589هـ وكان الوصول إلى دمشق في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من السنة وركب السلطان لملتقى الحاج يوم الجمعة خامس عشر صفر وكان ذلك آخر ركوبه، ولما كان ليلة السبت وجد كسلا عظيما وما تنصف الليل حتى غشيته حمى صفراوية وكانت في باطنه أكثر منها في ظاهره وأصبح يوم السبت متكاسلا عليه أثر الحمى ولم يظهر ذلك للناس لكن حضرت عنده أنا والقاضي الفاضل ودخل ولده الملك الأفضل وطال جلوسنا عنده وأخذ يشكو قلقه في الليل وطاب له الحديث إلى قريب الظهر ثم انصرفنا وقلوبنا عنده فتقدم إلينا بالحضور على الطعام في خدمة ولده الملك الأفضل ولم تكن للقاضي الفاضل في ذلك عادة فانصرف ودخلت إلى الإيوان القبلي وقد مد السماط وابنه الملك الأفضل قد جلس في موضعه فانصرفت وما كانت لي قوة في الجلوس استحيا منه وبكى في ذلك اليوم جماعة تفاؤلا لجلوس ولده في موضعه ثم أخذ المرض يتزيد من حينئذ ونحن نلازم التردد طرفي النهار وندخل إليه أنا والقاضي الفاضل في النهار مرارا وكان مرضه في رأسه وكان من إمارات انتهاء العمر غيبة طبيبه الذي كان قد عرف مزاجه سفرا وحضرا ورأى الأطباء فصده ففصدوه فاشتد مرضه وقلت رطوبات بدنه وكان يغلب عليه اليبس ولم يزل المرض يتزايد حتى انتهى إلى غاية الضعف واشتد مرضه في السادس والسابع والثامن ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه ولما كان التاسع حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب واشتد الخوف في البلد وخاف الناس ونقلوا أقمشتهم من الأسواق وعلا الناس من الكآبة والحزن ما لا تمكن حكايته ولما كان العاشر من مرضه حقن دفعتين وحصل من الحقن بعض الراحة وفرح الناس بذلك ثم اشتد مرضه وأيس منه الأطباء ثم شرع الملك الأفضل في تحليف الناس، ثم إنه توفي بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ وكان يوم موته يوما لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وغشي القلعة والملك والدنيا وحشة لا يعلمها إلا الله تعالى وبالله لقد كنت أسمع من الناس أنهم يتمنون فداء من يعز عليهم بنفوسهم وكنت أتوهم أن هذا الحديث على ضرب من التجوز والترخص إلى ذلك اليوم فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفداء لفدي بالأنفس. ثم جلس ولده الملك الأفضل للعزاء وغسله، وأخرج بعد صلاة الظهر رحمه الله في تابوت مسجى بثوب فوط فارتفعت الأصوات عند مشاهدته وعظم الضجيج وأخذ الناس في البكاء والعويل وصلوا عليه أرسالا ثم أعيد إلى الدار التي في البستان وهي التي كان متمارضا بها ودفن في الصفة الغربية منها وكان نزوله في حفرته قريبا من صلاة العصر.

رحمه الله تعالى وقدس روحه فلقد كان من محاسن الدنيا وغرائبها، وذكر ابن شداد : أنه مات ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما واحدا ذهبا صوريا ولم يخلف ملكا لا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة. وفي ساعة موته كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر أحسن الله عزاءه وجبر مصابه وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا وقد حفرت الدموع المحاجر وبلغت القلوب الحناجر وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده وقد قبلت وجهه عني وعنك وأسلمته إلى الله تعالى مغلوب الحيلة ضعيف القوة راضيا عن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالباب من الجنود المجندة والأسلحة المعدة ما لم يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا عليك لمحزونون يا يوسف وأما الوصايا فما تحتاج إليها والآراء فقد شغلني المصاب عنها وأما لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم وإن كان غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهو الهول العظيم والسلام.

المصدر
كتاب صلاح الدين الايوبي  للدكتور  علي الصلابي
تعليقات
4 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة