U3F1ZWV6ZTI0ODAwMzk0Mzg3MTM5X0ZyZWUxNTY0NjIzMzI5MDc3Ng==

بركة خان (( اعظم ملوك التتار )) الذى قلب الأمور رأس على عقب فى حياة التتار


بركة خان (( اعظم ملوك التتار )) الذى قلب الأمور رأس على عقب

يتبادر إلى ذهن الكثير من الناس عند ذكر كلمة ( التتار ) أو ( المغول ) جميع الصفات التى لا تمت للإنسانية بصلة من وحشية ، وقسوة وإبادة شاملة ، وجميع التداعيات والمآسى المهولة التى خلفها الاكتساح التتارى لبلاد الإسلام فى القرن السابع الهجرى ، حتى إن كثيراً من مؤرخى الإسلام ظنوا أن هذه النازلة هى النهاية ، ونعى الإسلام والمسلمين ، ومن أراد التفاصيل فليراجع ما كتبه المؤرخ ابن الاثير عنها بعبارات تقطر أسًى وحزنًا عميقين ، ووسط هذه الصورة حالكة السواد عن التتار كشعب وأمة ، ضاعت آثار وأخبار رجل من أعظم الرجال ، وصاحب الفضل الكبير بعد الله عز وجل فى دخول هذه الأمة البربرية دين الإسلام ، بل إن هذا الرجل يضرب أروع الأمثال فى الولاء والبراء للإسلام ، فيحارب بنى جلدته فى سبيل الإسلام .

من هو بركة خان ؟

هو السلطان العظيم والتتارى الأول ناصر الدين أبو المعالى (( بركة خان بن جوجى بن جنكيز خان )) حفيد الطاغية الدموى الذى روع العالم فى القرن السابع الهجرى (( جنكيز خان )) وهو أحد سبعة أبناء لجوجى  وهم 

1- باتو   2- أوردا   3- شوبان    4- بركة   5- جمتاى   6- بركجار   7- توقاتيمر 


بركة خان



دخوله الاسلام 

وقد دخل بركه خان الاسلام سنة 650 هجرية وكان من قبل محباَ ومتأثرا بالإسلام بسبب امرأة ابيه (( رساله )) وقد التقى (( بركة خان )) فى مدينة بخارى مع احد علماء المسلمين واسمه (( نجم الدين مختار الزاهدى )) ، وكان بركة عائداً لتوه من زيارة عاصمة المغول (( قره قورم )) وأخذ (( بركة )) فى الاستفسار عن الإسلام من هذا العالم المسلم وهو يجيبه بكل وضوح وسلاسة ، فطلب منه أن يؤلف له رسالة تؤيد بالبراهين رسالة الإسلام ، وتوضح بطلان عقائد التتار والتثليث وترد على المخالفين والمنكرين للإسلام ، فدخل (( بركه خان )) الإسلام عن حب واقتناع وإخلاص ورغبة عارمة فى نصرة هذا الدين .

كيف كان تقسيم دولة المغول ؟ وما هى القبيلة الذهبية ؟

كانت مساحة دولة المغول شاسعة لذلك وضع جنكيز خان نظاماً خاصاً فى تقسيم هذه الإمبراطورية الواسعة ، فقد قسمها بين أبنائه من زوجته الأولى كالآتى :

1- الابن الاكبر جوجى :  بلاد روسيا والقوقاز وبلغاريا وما يفتحه من غرب المعمورة .

2- الابن الثانى  جغطاى :  بلاد الأويجور وتركستان الغربية وبلاد ما وراء النهر .

3- الابن الثالث تولوى  :  خراسان وفارس وبلاد العرب وآسيا الصغرى .

4- الابن الرابع أوغطاى  : بلاد المغول (( منغوليا الآن )) والصين وتركستان الشرقيه ، وما يفتحه من شرق المعمورة .

وكان من المقرر أن يكون (( جوجى )) الابن الأكبر ل (( جنكيز خان )) هو الخليفة بعد موت أبيه ، لكن جنكيز خان شعر بطموحات جوجى واستعجاله لنيل المنصب بعد أبيه فدس عليه من قتله وعين بدلا منه أخاه (( أوغطاى )) ولى العهد 

القبيلة الذهبية 

هذا هو الاسم الذى أطلق على أسرة (( جوجى )) وممتلكاتها  وما عرفوا به تاريخيا ، وكانت أسرة (( جوجى )) مميزة بين باقى الأسر  فقد كانت لهم ثلث الغنائم التى يحصل عليها التتار فى حروبهم .

وكان للإسلام بالغ الاثر فى نفوس أبناء (( جوجى )) ويرجع السبب فى ذلك ، لأن أباهم (( جوجى )) تزوج من الأميرة (( رسالة )) بنت خوارزم شاه ، التى وقعت فى الاسر وهى أخت السلطان جلال الدين (( منكبرتى )) آخر سلاطين الدوله الخوارزمية ، مع مراعاة أن هذا الزواج باطل ولا ينعقد أصلا  لكفر (( جوجى )) وأغلب الظن أنها كانت سبية مكرهة معذورة عندهم  ، والدليل أن (( رساله ))
هذه ظلت محافظة على إسلامها وشعائرها وإلا ما تأثر بها أبناء ((  جوجى )) حتى دخل بعضهم فى الإسلام  كما حدث مع بركه خان 

تولى بركة خان حكم القبيلة 

تولى بركة خان الحكم سنة  653 هجرى بعد وفاة  اخيه (( باتو )) ثم ابنه (( حرتق )) الذى لم يعش طويلأ

أهم أعمال بركة خان : 

لم يكون دخول (( بركة خان )) الإسلام كدخول آحاد الناس ، بل دخل الإسلام بطلاً ملكاً سلطاناً لقبيلة تتارية ، والتتار هم كابوس مفزع لكل البشرية عموماً وللمسلمين خصوصاً لذلك جاءت أعمال هذا البطل العظيم على نفس المستوى الفائق من المسئولية والقيادة ، وتحول هذا السلطان الوثنى إلى جندى من أخلص جنود الإسلام ، شديد الحب والتفانى فى نصرة الدين وأهله وضرب أروع الأمثله فى الولاء والبراء ، وهذه طائفه من أهم أعمال بركة خان فى نصرة الإسلام :

أولا : مبايعة خليفة المسلمين

بعدما أعلن بركه خان إسلامه كان أول ما فعله أن أرسل ببيعته للخليفة العباسى (( المستعصم )) ببغداد ، وهذا الإجراء رغم أنه بسيط وبه كثير من الشكلية لأن خليفة المسلمين وقتها لم يكن له أى نفوذ حقيقي الإ على مساحة ضيقة من الأرض ، إلا أنه يوحى بولاء (( بركه خان )) لسلطان المسلمين وانضوائه تحت جماعة المسلمين 

ثانيا : إظهار شعائر الإسلام :

بعدما اعتلى (( بركه خان )) رياسة القبيلة الذهبية أخذ فى اظهار شعائر الإسلام ، وكانت مندسرة فى بلاد التتار منذ أيام جنكيز خان الذى كان يقتل من يجهر بتلك الشعائر شر قتلة ، وقام بركة خان بإكمال بناء مدينة (( سراى )) وهى مدينة سراتوف الآن فى روسيا على نهر الفولجا وجعلها عاصمة القبيلة الذهبية وبنى بها المساجد والحمامات ووسعها جدا حتى صارت أكبر مدن العالم وقتها وجعلها على السمت الاسلامى الخالص .

ثالثا : غيرته على المسلمين 

نظراً لأن بركة خان قد دخل الإسلام بحب واقتناع وإخلاص ، فلقد تجمعت معانى العقيدة الصحيحة ، ومقتضيات (( لا إله الا الله )) فى قلبه وجاءت ردود أفعاله وغيرته على الإسلام والمسلمين لتذكرنا بموقف الصحابة رضوان الله عليهم والرعيل الاول من سلف الأمة ، فقد كان بركة خان شديد الغيرة على الإسلام والمسلمين ، ويتجلى ذلك عندما فكر الضاغيه (( هولاكو )) بن تولوى بن جنكيز خان فى الهجوم على بغداد بعدما كاتبه الخائن الرافضى (( ابن العلقمى )) وزير الشؤم ببغداد وطلب منه الحضور ، وكان (( مانغو بن تولوى )) أخو (( هولاكو )) هو الخان الأكبر لجميع التتار ، وقد نال هذا المنصب بمساعدة قوية من (( باتو )) الأخ الأكبر ل (( بركه خان )) ، وحاول (( هولاكو )) إقناع أخيه الأكبر (( مانغو )) بهذه الفكرة ، وبالفعل وافق  ورحب بالهجوم على باقى بلاد المسلمين ، وبدأ (( هولاكو )) فى الإعداد لذلك ، وما أن وصلت الأخبار إلى (( بركة خان )) حتى التهبت مشاعره وأسرع إلى أخيه (( باتو )) وألح عليه لمنع الهجوم على المسلمين وقال له : (( إن نحن أقمنا مانغو خاناً أعظم ما جازانا على ذلك ، إلا أنه أراد أن يكافينا بالسوء فى أصحابنا ويخفر ذمتنا ويتعرض الى ممالك الخليفة وهو صاحبى وبينى وبينه مكاتبات وعقود ومودة وفى هذا ما لا يخفى من القبح )) وبالفعل اقتنع (( باتو )) تماما بكلام أخيه وبعث إلى هولاكو يكفه على ما ينويه من قتال المسلمين وبالفعل أجل (( هولاكو )) الهجوم حتى وفاة ( باتو )

رابعا : محالفته للمماليك 

العجيب فى إسلام (( بركه خان )) هذه الحالة الإيمانية الفائقة ، وترسخ عقيدة الاولاء والبراء فى قلبه ، وتجلى ذلك فى كل موافقه التى كانت تنبع من أصل هذه العقيدة السليمة النقية ، فلقد دخل (( بركة خان )) فى محالفة مع المماليك الذين بهروا العالم وأنقذوه فى نفس الوقت عندما انتصروا على التتار فى موقعة (( عين جالوت )) سنة 658 هجرية ، وكثرت المراسلات والاتصالات بين السلطان (( بيبرس )) و (( بركه خان )) وكان لها أثر كبير فى توجيه (( بركه خان )) لحرب (( هولاكو )) وأن هذا الامر من قتضيات الولاء والبراء ، وبالفعل اتفق (( بركة خان )) و (( بيبرس )) على محاربة ( هولاكو ) وكتب (( بركة خان )) برسالة الى (( بيبرس )) يقول له فيها : (( قد علمت محبتى للإسلام ، وعلمت ما فعل هولاكو بالمسلمين ، فاركب أنت  من ناحية حتى آتيه انا من الناحية الأخرى حتى نهزمه أو نخرجه من البلاد ، وأعطيك جميع ما كان بيده من البلاد )) 

خامسا : محاربته لهولاكو والتتار 

لم يكتف بركة خان بمناصرة المسلمين والدخول فى جماعتهم وحلفهم ولكن طبق عقيدة الولاء والبراء بشقيها وفى أنقى صورها ، فلقد انقلب حربا ضروسا على التتار الوثنيين عموماً ، على هولاكو خصوصا حيث لم ينس ( بركة خان ) ما فعله هولاكو بالخلافة العباسية أبدا وعندما اكتسح هولاكو بجحافله بغداد ، حاول بركة خان بشتى الطرق ان يوقف هذا المد الجارف الذى ينذر بمحو الإسلام من الوجود ، لكن لأن معظم جنوده كانوا ما زالوا على الوثنية فقد رفضوا الانصياع لأمره بمحاربة ( هولاكو ) ، لأنهم بذلك سيخالفون الخان الأعظم للتتار ، والذى قد وافق على الهجوم الهولاكى على بغداد .

فأخذ بركة خان فى اختلاق الذرائع والحجج لإشعال حرب ضد هولاكو ووجد ضالته فى مسألة الغنائم حيث كان من عرف ( جنكيز خان ) القديم أن أسرة جوجى أو القبيلة الذهبية لها ثلث الغنائمالتى يحصل عليها التتار جميعا فى اى معارك يخوضونها ، وبالقطع لم تكن الغنائم دافعا لبركة خان بل حبه للإسلام ورغبته فى مقاتلة هولاكو الطاغيه ، فأرسل بركة رسلاً من طرفه وأمرهم أن يشتدوا ويغلظوا على ( هولاكو ) فى السؤال ، وبالفعل نجحت الحيلة واستشاط ( هولاكو ) غضبا وقتل رسل بركة خان وسير جيشا لمحاربة بركة خان فانهزم جيش هولاكو شر هزيمة وذلك سنة 660 هجرية ، فعاود الهجوم مرة اخرى بجيش أكبر فانهزم جيش ( بركة خان ) وكان يقوده أحد قواده واسمه (( توغاى )) 

فأراد ( هولاكو ) أن يجهز بالكلية على بركة خان فأرسل جيشا جراراً فيه معظم جنوده يقودهم ابنه الخبيث ( أباقا ) فخرج لهم بركة خان بنفسة على رأس الجيش ومزق جيش هولاكو شر تمزيق سنة 661 هجرية فى منطقة القوقاز ، ولم ينج منهم سوى القليل .

سادسا : تفرقته لوحدة التتار الوثنيين 

فقد استغل بركة خان خروج الخان الاعظم  مانغو لقتال بعض الخارجين عليه ومعه أخوه قبلاى وترك أخاه الآخر أرتق بوكا مكانه لتسيير الأمور لحين عودته فاستغل بركة خان وفاة مانغو فى الطريق لإثارة الفتنه بين ( أرتق بوكا ) و( قبلاى ) حيث اتفق الجند والأمراء على تولية ( قبلاى ) فأرسل بركة خان إلى ( ارتق بوكا ) بقوه عسكرية لمنازعة أخية ( قبلاى ) على منصب الخان الاعظم  وحرض أيضا أسرة ( أوغطاى ) على مساعدة ( أرتق بوكا )ووقعت الحرب بينهم سنة 658 هجرية وذلك قبل معركة (( عين جالوت )) بقليل مما جعل هولاكو يعود مسرعا من الشام لفض النزاع ، واستمرت الحروب بينهم عدة سنوات ، وكان بركة خان فى نفس الوقت يقنع ويحث كثيرأ من جنود هولاكو بالشام للدخول في الإسلام والانضمام لجيش (( بيبرس )) وبالفعل أقنع الكثيرين منهم وتحولوا الى حرب هولاكو 

أما ( هولاكو ) فوجد أن كل البلايا والمعارك التى حدثت له وللتتار جميعا كان سببها بركة خان فاشتد غيظة وحقده عليه وحاول محاربته عدة مرات ولكنه هزم شر هزيمة ،مما أشعل الغيظ فى قلبه زيادة فطفح على عقله وجسده وأصيب بجلطة في المخ بعد وصول خبر هزيمة ولده ( أباقا ) أمام بركه خان سنة 661 هجرية ، وظل يعانى من الصرع حتى هلك الهالك هولاكو سنة 663 هجرية 
بركة خان



رحيل البطل

ظل بركة خان طوال حياته مجاهداً مناصراً للإسلام والمسلمين فى كل موطن وعلى عدة محاور ، تشغله قضية الإسلام وتلتهب مشاعره ويهتز قلبه من أجل خدمة هذا الدين ،لذلك كان من الطبيعى أن يموت هذا البطل على درب النصرة والجهاد فبعدما هلك الطاغية هولاكو من شدة الغيظ والحقد على ما جرى على يد بركة خان ورث مكانة ابنه ( أباقا ) وورث عنه أيضا الحقد والحسد على بركة خان خاصة أنه هزمه هزيمة كبيرة سنة 661 هجرية لذلك كانت محاربة هى أولى خطوات وقرارات (( أباقا بن هولاكو ))

وبالفعل أعد أباقا جيشاً جراراً لمحاربة بركه وأرسل بركة أولا قائده ( توغاى ) ولكنه هزم وأصيب بسهم فى عينه وكان بركة خان يحبه  لإسلامه وجهاده معه فى كل موطن ، فخرج بركة بنفسه للقاء أباقا  ولكن وهو فى طريقه أتاه اليقين وتوفى البطل العظيم المجاهد سنة 665 هجرية بعدما قضى حياتة الحقيية خمس عشر ة سنة فى خدمة الإسلام ومحبة المسلمين ومحاربة أعداء الإسلام حتى مات رحمة الله وغفر له  ولم يكن له أولاد ولم يترك ذرية لكنه ترك سجلا حافلاً فى العمل للدين والفهم الصحيح لعقيدة الولاء والبراء حتى أن السلطان المملوكى الظاهر بيبرس قد سمى ولده الاكبر ( بركة خان ) حبا فى شخصية هذا البطل العظيم 


مصادر البحث 
1- الكامل فى التاريخ  ( لابن الاثير )
2- البداية والنهاية  ( لابن كثير ) 
3- سير أعلام النبلاء ( الذهبى ) 
4- فتوح البلدان ( البلاذرى )
5- التاريخ الاسلامى  ( محمود شاكر )
6- أطلس تاريخ الاسلام ( حسين مؤنس )
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة